احتمى في علم بلاده
"مللت من الحياة فى إنجلترا" قــالها شاب إنجيلزى بالغ من العمر الثانية
والعشرين، وبعد أن أخذ قرار الرحيل سافر بعد قليل إلى الولايات المتحدة حيث قضى
هناك عدة سنوات حصل خلالها على الجنسية الأمريكية بالإضافة إلى جنسيته الإنجليزية.
شعر هذا الشاب مرة أخرى بنفس الملل القديم فكرر ما قاله سابقاً «مللت من الحياة فى أمريكا لابد أن أرحل» فرحل إلى كوبا وقضى فيها عدة أشهر ولما اشتعلت نيران الحرب الكوبية إضطر الشاب أن يغادرها وسافر إلى أسبانيا.
إتهمت قيادة الجيش الأسبانية هذا الشاب بالجاسوسية فقبضوا عليه وشكلوا له محاكمة عسكرية عاجلة وحكم عليه الضباط الأسبان، ولما كانت المحاكمة باللغة الأسبانية لم يفهم الشاب أى شئ منها حتى سأل أحد الضباط بالإنجليزية فأجابه بكل حدة «لقد حكمنا عليك بالإعدام وستموت غداً رمياً بالرصاص» .
أظلمت الدنيا فى وجهه فهو لم يستعد لمواجهة الموت المُخيف وقال لنفسه بصوت أسيف «آه لم أكن أظن أن الخريف سيأتى علىَّ بهذا الشكل العنيف». وبينما هو فى زنزانته واضعاً رأسه بين ركبتيه، إذا بفكرة تنير ظلام يأسه، لماذا لايُرسل إلى سفارتى أمريكا وانجلترا فى أسبانيا يطلب منهما الحماية؟ وفى الحال نفذ الفكرة وطلب من الحارس قلم وبضعة أوراق وابتدأ يكتب خطابه وعندما انتهي من الكتابة، أرسل الخطابين ووضَّح فيهما موقفه وفى نفس الليلة كان قنصلا كل من انجلترا وأمريكا يُطالبان القائد الأسبانى بوقف تنفيذ الحكم بالاعدام علىه. ولكن القائد رفض بكل تحدٍّ قائلاً «لقد حاكمناه بقوانيننا فوجدناه مُذنباً وسيموت فى الصباح ولن أتفاوض فى هذه القضية».
وفى الصباح كان قلب الشاب مليئاً بالجراح والآلام فهو طوال الليل لم يكن قد نام، وألبسوه ملابس الإعدام، ثم أركبوه عربة إلى المكان المحدد لتنفيذ الحكم. وعندما أنزلوه منها وضعوا على رأسه طاقية سوداء غطت حتى عينيه ثم ربطوا يديه فى عمود نُصب لهذا الغرض وبجوار العمود حفروا قبره وكتبوا عليه «نهاية الجاسوس» ووضعوا بجوار القبر كفنه الذى أحضروه معهم.
جهز الضابط مسدسه وبدأ القائد فى العد التنازلى لإطلاق الرصاص بينما كان الشاب فى اضطراب وخوار وهو منهار يصرخ صرخات المرار. وفى لحظات جاءت عربة ووقفت بجوار العمود ونزل منها رجلان تقدما نحوه حيث لفه الأول بعلم الولايات المتحدة وكان الرجل هو قنصل أمريكا بينما لفه الثانى وكان قنصل انجلترا بالعلَم الإنجليزى فى صمت وذهول من الجميع ثم تقدم الرجلان بكل ثقة إلى القائد الأسبانى وقالا له «يمكنك أن تُطلق الرصاص عليه الآن إن استطعت» .
تردد القائد فى صمت وحيرة شديدتين فهو إن أطلق رصاصة واحدة على الشاب المُحتمى فى العلمين يكون بهذا قد أطلق النار على إثنتين من أكبر دول العالم ممثلتين فى هذين العلمين ... وبدلاً من ذلك تم اطلاق سراحه حيث فكوا قيوده ورفعوا عنه طاقية الإعدام ثم سار إلى عربة القنصلين فى فرح غامر وهو مازال يحتمى فى هذين العلمين اللذين كانا سبب نجاته.
اكتب تعليقك هنا وإذا كان لديك أي سؤال لا تتردد في ارساله وسوف نقوم بالرد عليك في أقرب وقت ممكن